د محمد عمارة يتحدث عن: موقف الإسلاميين من الغرب وأسباب ظاهرة الإسلاموفوبيا ..

مرحبا بك نشكرك على زيارتك ويهمنا ان تعطينا رايك في ما يعرض في هذه المدونة

غزوة الأحزاب الدروس والعبر المستفادةن منها تتمة للغزوات السابقة




سببها : كان خروجُ كُبَرَاءِ اليهودِ بعدَ إجلاءِ النبيِّ r لبني النضيرِ بسبب ما كان منهم من غدرٍ وتآمرٍ خرجَ كبراؤهم كَحُيَيِّ بنِ أَخْطَب وسَلاّم بن أبي الحقيق وغيرهما إلى قريش بمكة يُحَرّضُونَهُمْ عَلَى غَزْوِ رَسُولِ اللّهِr   ووعدهم مِنْ أنفسهم النصر  لهم. فأجابتهم قريش ، ثُمّ خَرَجُوا إلَى غَطَفَانَ : فاستجابوا لهم ثُمّ طَافُوا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَدْعُونَهُمْ إلَى ذَلِكَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ مَنْ اسْتَجَابَ . 
 فخرجت قريش – وقائدهم أبو سفيان  - فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ ، وَوَافَقَهُمْ بنو سُليم بمرِّ الظّهْرَانِ ، وبنو أسد ، وفزارة وأشجع وغيرهم  ، وكان من وافى الخندق من المشركين  عشرة  آلَاف .
`غزوة الأحزاب :
تلك الغزوة التي ذهب جمهور أهل السير والمغازي إلى أنها  كانت في شهر شوال من السنة الخامسة([1]), وقال الواقدي([2]): إنها وقعت في يوم الثلاثاء الثامن من ذي القعدة في العام الخامس الهجري، وقال ابن سعد([3]): إن الله استجاب لدعاء الرسول فهزم الأحزاب يوم الأربعاء من شهر ذي القعدة سنة خمس من هجرته r  ، ونقل عن الزهري، ومالك بن أنس، وموسى بن عقبة، أنها وقعت سنة أربع هجرية([4]).
ورأي الجمهور هو الراجح ,واليه مال ابن القيم حيث قال: وكانت سنة خمس من الهجرة في شوال على أصح القولين، إذ لا خلاف أن أُحدًا كانت في شوال سنة ثلاث، وواعد المشركون رسول الله  في العام المقبل وهو سنة أربع، ثم أخلفوه من أجل جدب تلك السنة، فرجعوا فلما كانت سنة خمس جاءوا لحربه([5]).

`غزوة الأحزاب :
    سورة كاملة نزلت باسمها ففي قلبِ الأحداثِ وعَقْبِهَا  تتنزَّلُ الآيات بالمنهج الربانيِّ الذي يُقوِّم المعْوَجَّ ، ويسُدُّ الخلل ، ويُداوِي العِلَلَ ، ويُطبِّبُ القُلُوبَ ، ويُطيِّبُ الخواطرَ  ، ويُنقِّي الصفوفَ ، ويُزكِِّي النفوسَ ، ويُحفِّزُ الهِمَم ، وينهضُ بالشخصيةِ المسلمةِ ، ويصل بها إلى أعلى مراتب النُّضجِ ، وَيرْقَى بِهَا إلى مُستَوى المسئوليةِ في إِدَارَةِ الأزمات  ، ويربِطُ ماضِيَها يحاضرها ، ويضعُ لها القواعد والأصول لاستشرافِ مستقبلِهَا ، فيجعل من هذه الأحداثِ المنصرمة : رصيدًا زاخرًا ، وكتابا مسطورًا ومشاهد حيَّةً وصورًا نابضةً. [6]

`غزوة الأحزاب:
    إنها معركة ليست معركة خسائر، وإنما هي معركة عقيدة وإيمان، فقتلى الفريقين من المؤمنين والكفار يعدّون على الأصابع، ومع هذه الحقيقة فهي من أهم المعارك في تاريخ الإسلام فلقد كانت ابتلاءً كاملاً وامتحاناً دقيقاً وتمييزاً بين المؤمنين والمنافقين، فلقد اشترك الجميع في الشعور بالكرب، ولم يختلف الشعور من قلب إلى قلب، وإنما الذي اختلف هو استجابة تلك القلوب وظنها بالله، وسلوكها في الشدة، ويقينها بالنصر، واطمئنانها وقت الزلزال، فلقد نافق أقوام وظنوا بالله الظنونا وحاولوا في ثني المؤمنين عن الجهاد والتسليم للكافرين لكي يذلوهم ويخنقوا الإسلام معهم وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُواْ.
`غزوة الأحزاب:
      أعلنت أن قدر الله هو المسيطر على الأحداث والمصائر، يدفعها في الطريق المرسوم، وينتهي بها إلى النهاية المحتومة . والموت أو القتل قدر لا مفر من لقائه ، في موعده ، لا يستقدم لحظة ولا يستأخر.
`غزوة الأحزاب : تبرز أمامنا صفحة من تاريخ اليهود وتكشف عن أسلوبهم الدنيء في إثارة الأحقاد وتسخير قيمهم لخدمة مصالحهم ومآربهم .
`غزوة الأحزاب :
   تكشف عن قوة الإسلام وكيف أنَّ أصحاب العقيدة يصبرون على البلاء والجوع.
`غزوة الأحزاب :
      تكشف لنا عن شخصية الرسول r في قيادته الحكيمة وفي صموده أمام طواغيت  الشر.
`غزوة الأحزاب:
    تحتاج منا كمسلمين أن نُحلِّل تفاصيلها وأحداثها وما جرى فيها ليكون المسلم على بينة بان نبي الإسلام محمد r لم يكن يحب الحرب وإنما كان يضطر لخوضها دفاعاً عن نفسه وعن الكيان الإسلامي ,إنه كان يحمل راية السلام بيمينه وينادي على الناس في كل مكان أن يدخلوا تحت راية السلام لأنه وسيلة التقدم والازدهار .



`غزوة الأحزاب :
    حيث : " الامتحان لهذه الجماعة الناشئة ، ولكلِّ قيمها وتصوراتها ، ومَن تدبَّرَ  النصَّ القرآنيَّ (سورة الأحزاب)، وطريقةَ عرضِهِ للحادِثِ ، وأسلوبَه في الوصفِ والتعقيبِ ووقوفَه أمام بعض المشاهدِ والحوادثِ ، والحركاتِ والخوالجِ ، وإبرازَه للقيمِ والسننِ  : يدركُ كيف كان اللهُ يربي هذه الأمةَ بالأحداثِ والقرآنِ في آنٍ واحدٍ ." ([7])
`غزوة الأحزاب :
    غزوةٌ علَّق عليها القرآن أعظم تعليق، يصور نماذج البشر وأنماط الطباع، يصور القيم الثابتة والسنن الباقية التي لا تنتهي بانتهاء الحادث.
  فهلم أخي القارئ لنأخذ شيئاً من الوقفات التي أشار إلى وصفها القرآن وذكرت بعضها السنة، نستلهم الدروس والعبر والفوائد .
الدروس والعبر من غزوة الأحزاب
دعونا نُبحر وإياكم مع دروس وعبر هذه الغزوة المباركة وأسال الله بمنه وكرمه أن يُعجل بالنصر القريب لأمة الإسلام إنه ولي ذلك والقادر عليه.
1- الأمل والثقة بالله تعالى:
    تأمل! بالرغم من كل تلك الظروف العصيبة الشديدة التي أحاطت بالمسلمين من حصار جماعي من مختلف قبائل العرب واليهود، وبجيش يبلغ عشرة آلاف مقاتل، ومن جوع وخوف وهلع وشدة برد..، لم ييأس المسلمون، ولم يفقدوا ثقتهم بالله تعالى، بل إن الرسول r كان في ظل تلك الظروف يعدهم بفتح الشام، وفارس، واليمن، وهي الدول العظمى في ذلك الوقت. وتأمل موقف المنافقين إزاء تلك الوعود، وتزعزع قلوبهم حينما رأوا كثرة جيوش الأحزاب: {وَإذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلاَّ غُرُورًا}[الأحزاب: 12]. ثم تأمل موقف المؤمنين لما رأوا الأحزاب:
{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إلاَّ إيمَانًا وَتَسْلِيمًا}[الأحزاب: 22].
وفي أحلك المواقف كان النبي يربي أصحابه على الثقة بموعود الله وعلى التفاؤل وعدم اليأس والاستكانة للكافرين، فيجتمع الكفر على المؤمنين معادياً لهم ينوي استئصالهم، ومع ذلك والصحابة يعانون في حفر الخندق تعترض لهم صخرة في الخندق، أعيتهم ، فجاء النبي وأخذ المعول فقال: بسم الله ثم ضرب ضربة، وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأنظر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع آخر، فقال:
الله أكبر، أعطيت فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن، ثم ضرب الثالثة، فقال:
بسم الله فقطع بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني) [8] .
   يقول ذلك في هذه المرحلة الحرجة ليبشر المؤمنين ويعلِّمَهُم درساً في التفاؤل والثقة بنصر الله ، ثم يأتيه الخبر بنقض بني قريظة للعهد فيقول ((الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين)).
وفي قلب هذه المحنة وشدة هذا الهول يقول: ((إني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق وآخذ المفتاح، وليهلكن الله كسرى وقيصر، ولتنفقن أموالهم في سبيل الله)) وصدَّق المؤمنون بهذه البشارات لإيمانٍ في قلوبهم.
واليوم.. في ظل تحزب قوى الكفر على الأمة الإسلامية، وتضييقها على المسلمين في كل مكان، وتنكيلها بدعاتهم، واغتصابها أراضيهم، واستنزافها ثرواتهم..؛ كم نحن بحاجة إلى مراجعة حساباتنا، وتقوية صلتنا بديننا، وأن ما يحصل للمسلمين من الهوان وتسليط الأعداء إنما هو لحكم عديدة، وأسباب كثيرة.. كما أننا بحاجة ماسّة إلى النظر إلى المستقبل، والثقة بالله تعالى، ووعده للأمة بالعز والتمكين إن هي استمسكت بالإسلام، وما يدعو إليه من وجوب إعداد العدة، وأنَّ الأمة إن بكت مرة فقد بكت قبل ذلك مرات، وكانت تعود في كل مرة كأقوى ما تكون، وأن ما تمر به أمتنا اليوم من الضربات المتتابعة والصفعات الموجعة ما هي إلا إرهاصات مبشرة لنهضة الأمة، وصحوتها من غفلتها، وعودتها مرة أخرى إلى دينها، ومصدر عزها ومجدها؛ فإن الظلام كلما أحلولك وادلهمّ فإن وراء الأفق نوراً، وفي حضن الكون شمس ساطعة، وكلما اشتد غلس الليل اقترب ميلاد النهار.
 ومهما كان واقع الأمة مؤلماً يفرض على كثير من المسلمين أقسى الظنون، إلا أنها في طريق التغيير الإيجابي تسير، وهي الآن أفضل بكثير من سنوات مضت، فلا ينبغي استبطاء النصر، واستعجال الظفر. ولنتأمل كيف أن الشام، وفارس، واليمن التي وعد الرسول r بفتحها، لم يظفر بها المسلمون إلا بعد وفاته r بسنين؛ وفي ذلك.
2- الكفر ملةٌ واحدة:
    فنرى في هذه الغزوة بوضوح تكالب الكفر على المسلمين, لقد تمالأ العرب واليهود في الجزيرة، وقاد أبو سفيان أضخمَ جيش شهدته جزيرة العرب الذي كان عشرةَ أضعافِ جيشِ بدرٍ وقرابة أربعة أضعاف جيش أحد ،إضافة إلى العدو الداخلي يهود بني قريظة الذين نقضوا العهد وانضموا إلى الأحزاب.
لقد جاء الكفر جملة واحدة وكما وصفهم عليه السلام: ((لقد رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب)) وإذن فلا بد أن يقرَّ في حس المسلمين أن الكفر كلَّه قد يلتقي في مرحلة من المراحل على إبادة الإسلام والمسلمين ويتناسى ما بينه من عداوات؛ لأن الكفر ملة واحدة في الحقيقة؛ ولأنهم جميعاً حرب على الإسلام؛ لأنهم يشتركون في الخطر المحدق بهم من ظهور الدين الحق الذي يقطع مصالحهم في استعباد الناس وتسخيرهم لأهوائهم.
3- المنافقون وخطرهم:
    المنافقون أصحاب المصالح والأهواء ليس لهم قرار واضح ولا قاعدة ثابتة تراهم مع المؤمنين تارة ومع الكافرين تارات رسل فساد وأصل كل بلية وهزيمة: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مّنَ اللَّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 141].
ولاء المنافقين للكافرين، ولو عاشوا بين ظهراني المسلمين، وقلوبهم مع أعداء الدين، وإن كانوا بألسنتهم وأجسامهم وعدادهم في المسلمين، يخشون الدوائر فيسارعون للولاء والمودة للكافرين، ويسيئون الظن بأمتهم فيرتمون في أحضان أعدائهم ويزعمون إبقاء أياد عند الكافرين تحسباً لظفرهم بالمسلمين :
 { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ }[المائدة:52]، المنافقون هم الأعداء الحقيقيون للمسلمين وهم الذين خططوا لأعظم نكبات المسلمين، هم رسل الفساد وعقارب النفاق ,قال تعالى: { هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: 4].
لقد كان موقف المنافقين عندما تكالب الكافرون وتحزبوا على المسلمين متسماً بالجبن والإرجاف وتخذيل المؤمنين، وقد وردت روايات ضعيفة تحكي أقوالهم في السخرية والإرجاف والتخذيل، ولكن القرآن الكريم تكفل بتصوير ذلك أدق التصوير فقد وجد هؤلاء في الكرب المزلزل ، والشدة الآخذة بالخناق فرصة للكشف عن خبيئة نفوسهم، وهم آمنون من أن يلومهم أحد ؛ وفرصةً للتوهين والتخذيل وبث الشك والريبة في وعد الله ووعد رسوله، {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً} [الأحزاب: 12].
ومثل هؤلاء المنافقين والمرجفين قائمون في كل عصر ومصر، وموقفهم في الشدة هو موقف إخوانهم المنافقين هؤلاء؛ فهم نموذج مكرر في الأجيال والجماعات على مدار الزمان !
{وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ ياأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُواْ} [الأحزاب: 13]، فهم يحرضون أهل المدينة على ترك الصفوف، والعودة إلى بيوتهم {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مّنْهُمُ النَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ }يستأذنون بحجة أن بيوتهم مكشوفة للعدو . متروكة بلا حماية، وهنا يكشف القرآن عن الحقيقة ، ويجردهم من العذر والحجة: {وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً} ويضبطهم متلبسين بالكذب والاحتيال والجبن والفرار: إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً.
وهؤلاء المنافقون من أنشط الناس عند الفتن وأكثرهم استعداداً لنقض العهود مما يوضح وهَنَ العقيدة ، وخَوَرَ القلوب ، والاستعدادَ للانسلاخ من الإسلام بمجرد مصادفة غير مبقين على شيء ، ولا متجملين لشيء:
{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ الْفِتْنَةَ لاَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَا إِلاَّ يَسِيراً } [الأحزاب: 14] ذلك كان شأنهم، والأعداء بعدُ خارجَ المدينة؛ ولم تقتحم عليهم بعد، فأما لو وقع واقتحمت عليهم المدينة من أطرافها . . ثم سئلوا الفتنة وطلبت إليهم الردة عن دينهم لآتوها سراعاً غير متلبثين ، ولا مترددين إلا قليلا من الوقت. {وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الاْدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً } [الأحزاب: 15].
ثم يبين لهم سبحانه أن الفرار لا يدفع أمر الله ولا يطيل العمرقال تعالى:{ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً قُلْ مَن ذَا الَّذِى يَعْصِمُكُمْ مّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } [الأحزاب: 16، 17]
   ويرسم القرآن للمنافقين صورة تثير الاحتقار لهم ، صورة للجبن والانزواء ، والفزع والهلع. ( في ساعة الشدة) . والانتفاشِ وسلاطة اللسان (عند الرخاء) . والشحِ على الخير والضن ببذل أي جهد فيه . والجزع والاضطراب (عند توهم الخطر من بعيد).
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِى يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً يَحْسَبُونَ الاْحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ الاْحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِى الاْعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُواْ إِلاَّ قَلِيلاً } [الأحزاب: 18 ـ 20].
مثيرة للسخرية تلك الصورة المنافقين بعد أن يذهب الخوف ويجيء الأمن:
{فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} خرجوا من الجحور ، وارتفعت أصواتهم بعد الارتعاش ، وانتفخت أوداجهم بالعظمة، وانتفشوا بعد الانزواء، وادعوا في غير حياء ، ماشاء لهم الادعاء ، من البلاء في القتال والفضل في الأعمال ، والشجاعة والاستبسال.
{أوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً}.
لقد نافق أقوام بسبب إرجافهم وتخذيلهم ونعى القرآنُ عليهم ذلك فكيف لو ناصروا قريشاً وأحلافها . . . . إنها الردة ولو كان صاحبها متعلقاً بأستار الكعبة.

4- درسٌ في الشورى :
        في زحمة الأحداث، وعندما نقضت قريظة العهد، واشتد على النبي r وأصحابه رضي الله عنهم الحال، رأى النبيr   أن يخفف عن أصحابه رحمة بهم، صلى الله عليك يا نبي الرحمة.
بعث إلى قائدي غطفان يعرض عليهما صلحاً، وهو أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة على أن يرجعوا بمن معهم من قومهم، وتم الصلح ثم استشار النبي r السعدين، سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، فقالا له: يارسول الله أمراً تحبه فتصنعه، أم شيئاً أمرك الله به لابد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟ قال: ((بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب. فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما)).
فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله، وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرىً أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالاسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ والله ما لنا بهذا حاجة، والله العظيم لانعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله r: ((فأنت وذاك((
و الحكمة في استشاراتهr لبعض أصحابه في هذا الصلح لكي  يطمئن إلى مدى ما يتمتع به أصحابه من القوة المعنوية والاعتماد على نصر الله وتوفيقه على الرغم من ذلك الذي فوجئوا به من اجتماع أشتات المشركين عليهم في كثرة ساحقة ، إلى جانب خذلان بني قريظة للمسلمين ونقض مواثيقهم معهم.
 وأما الدلالة التشريعية في هذه الاستشارة ، فهي محصورة في مجرد مشروعية مبدأ الشورى في كل ما لا نص فيه. وهي بعد ذلك لا تحمل أي دلالة على جواز صرف المسلمين أعداءهم عن ديارهم إذا ما اقتحموها ، باقتطاع شيء من أرضهم أو خيراتهم لهم. إذ إن مما هو متفق عليه في أصول الشريعة الإسلامية أن الذي يحتج به من تصرفاته r إنما هو أقواله ، وأفعاله التي قام بها ، ثم لم يرد اعتراض عليها من الله في كتابة العزيز.
وفي قبول الرسولr  رأي الصحابة في رفض هذا الصلح يدل على أن القائد الناجح هو الذي يربط بينه وبين جنده رباط الثقة، حيث يعرف قدرهم ويدركون قدره، ويحترم رأيهم ويحترمون رأيه، ومصالحة النبيr  مع قائدي غطفان تعد من باب السياسة الشرعية التي تراعي فيها المصالح والمفاسد حسب ما تراه القيادة الرشيدة للأمة([9]).
     وليس في هذه الاستشارة دليل على جواز دفع المسلمين الجزية إلى أعدائهم. أما إذ ألجئوا إلى اقتطاع جزء من أموالهم فعليهم التربص بأعدائهم لاسترداد حقهم المسلوب.

5-الحكمة في اختيار غطفان بالذات للصلح: 
ظهرت حنكتهr وحسن سياسته حين اختار قبيلة غطفان بالذات لمصالحتها على مال يدفعه إليها على أن تترك محاربته وترجع إلى بلادها، فهو يعلم r أن غطفان وقادتها ليس لهم من وراء الاشتراك في هذا الغزو أي هدف سياسي يريدون تحقيقه, أو باعث عقائدي يقاتلون تحت رايته، وإنما كان هدفهم الأول والأخير من الاشتراك في هذا الغزو الكبير هو الحصول على المال بالاستيلاء عليه من خيرات المدينة عند احتلالها؛ ولهذا لم يحاول الرسولr  الاتصال بقيادة الأحزاب من اليهود (كحيي بن أخطب، وكنانة بن الربيع) أو قادة قريش كأبي سفيان بن حرب، لأن هدف أولئك الرئيسي، لم يكن المال, وإنما كان هدفهم هدفًا سياسيًّا وعقائديًّا يتوقف تحقيقه والوصول إليه على هدم الكيان الإسلامي من الأساس؛ لذا فقد كان اتصاله (فقط) بقادة غطفان، الذين (فعلاً) لم يترددوا في قبول العرض الذي عرضه عليهم النبيr  ([10])، فقد استجاب القائدان الغطفانيان (عيينة بن حصن، والحارث بن عوف) لطلب النبي rوحضرا مع بعض أعوانهما إلى مقر قيادة النبي r واجتمعا به وراء الخندق مستخفين دون أن يعلم بهما أحد، وشرع رسول اللهr  في مفاوضتهم.
ولقد أبرزr في هذه المفاوضات جانبًا من جوانب منهج النبوة في التحرك لفك الأزمات عند استحكامها وتأزمها, لتكون لأجيال المجتمع المسلم درسًا تربويًّا من دروس التربية المنهجية عند اشتداد البلاء([11]).

6-رسالة للمسلمين عبر التاريخ:
في قولهr : «إني قد علمت أن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة»  دليل على أن رسول اللهr كان يستهدف من عمله ألا يجتمع الأعداء عليه صفًّا واحدًا, وهذا يرشد المسلمين إلى عدة أمور منها:
* أن يحاول المسلمون التفتيش عن ثغرات القوى المعادية.
* أن يكون الهدف الإستراتيجي للقيادة المسلمة تحييد من تستطيع تحييده, ولا تنسى القيادة الفتوى والشورى والمصلحة الآنية والمستقبلية للإسلام([12]).

7-في موقف الصحابة من الصلح دروس:
إن موقف الصحابة من الصلح مع غطفان يوم قال سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله، وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرىً أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ والله ما لنا بهذا حاجة، والله العظيم لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله r: ((فأنت وذاك(( وهذا يحمل في طياته ثلاثة معانٍ:
أ- أنه يؤكد شجاعة المسلمين الأدبية في إبداء الرأي، والمشورة في أي أمر يخص الجماعة، إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
ب- أنه يكشف عن جوهر المسلمين وعن حقيقة اتصالهم بالله ورسوله وبالإسلام.
ج- أنه يبين ما تمتلئ به الروح المعنوية لدى المسلمين من قدرة على مواجهة المواقف الحرجة بالصبر, والرغبة القوية في قهر العدو, مهما كثر عدده وعتاده أو تعدد حلفاؤه([13]).

8- شدة التضرع سبب من أسباب النصر:
كان رسول اللهr كثير التضرع والدعاء والاستعانة بالله, وخصوصا في مغازيه، وعندما اشتد الكرب على المسلمين أكثر مما سبق حتى بلغت القلوب الحناجر وزلزلوا زلزالاً شديدًا، فما كان من المسلمين إلا أن توجهوا إلى الرسول r وقالوا: يا رسول الله هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر، فقال: نعم. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ([14]). وجاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: دعا رسول الله r على الأحزاب فقال: اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم([15]), فاستجاب الله سبحانه دعاء نبيه r , فأقبلت بشائر الفرج فقد صرفهم الله بحوله وقوته، وزلزل أبدانهم وقلوبهم، وشتت جمعهم بالخلاف, ثم أرسل عليهم الريح الباردة الشديدة، وألقى الرعب في قلوبهم، وأنزل جنودًا من عنده سبحانه, قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا }[الأحزاب: 9].
قال القرطبي -رحمه الله-: وكانت هذه الريح معجزة للنبي r؛ لأن النبي r والمسلمين كانوا قريبًا منهم، ولم يكن بينهم إلا عرض الخندق، وكانوا في عافية منها ولا خبر عندهم بها... وبعث الله عليهم الملائكة فقلعت الأوتاد وقطعت أطناب الفساطيط([16]), وأطفأت النيران, وأكفأت القدور, وجالت الخيول بعضها في بعض، وأرسل عليهم الرعب، وكثر تكبير الملائكة في جوانب المعسكر حتى كان سيد كل خباء يقول: يا بني فلان هلم إليَّ فإذا اجتمعوا قال لهم: النجاء النجاء، لما بعث الله عليهم الرعب([17]).
وحرص الرسول عليه الصلاة والسلام أن يؤكد لصحبه ثم للمسلمين في الأرض، أن هذه الأحزاب التي تجاوزت عشرة آلاف مقاتل لم تهزم بالقتال من المسلمين، رغم تضحياتهم، ولم تهزم بعبقرية المواجهة، إنما هزمت بالله وحده:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا } [الأحزاب: 9].
وعن أبي هريرة t أن رسول الله rكان يقول: «لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده»([18]).
ودعاء رسول اللهr  ربه، واعتماده عليه وحده، لا يتناقض أبدا مع التماس الأسباب البشرية للنصر، فقد تعامل r في هذه الغزوة مع سنة الأخذ بالأسباب, فبذل جهده لتفريق الأحزاب، وفك الحصار، وغير ذلك من الأمور التي ذكرناها([19]).
إن رسول الله r يعلمنا سنة الأخذ بالأسباب, وضرورة الالتجاء إلى الله وإخلاص العبودية له؛ لأنه لا تجدي وسائل القوة كلها إذا لم تتوافر وسيلة التضرع إلى الله والإكثار من الإقبال عليه بالدعاء والاستغاثة, فقد كان الدعاء والتضرع إلى الله من الأعمال المتكررة الدائمة التي فزع إليها رسول الله r في حياته كلها([20]).

                  
 المصدر:  سلسلة غزوات النبي المصطفى دروس وعبرلأمير بن محمد المدري
     

([1]) انظر: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ص443.
([2]) انظر: المغازي (2/440) بدون إسناد.
([3]) الطبقات (2/65، 73) بإسناد متصل.
([4]) انظر: البداية والنهاية (4/105).
([5]) انظر: زاد المعاد (2/288)                   (2) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/237).
6) ) أنظر التَّوْثِيقُ القُرآنيُّ لِغَزْوَةِ الأحزابِ-  بحثٌ من إعدادِ أحمد محمد الشرقاوي
[7] -   في ظلال القرآن  6 / 49 ، 50 بتصرف .
)1) رواه أحمد والنسائي وحسنه ابن حجر.
([9]) انظر: القيادة العسكرية في عهد الرسول، ص414.
([10]) انظر: غزوة الأحزاب، محمد أحمد باشميل، ص201.
([11]) انظر: محمد رسول الله، صادق عرجون (4/176).
(3) انظر: الأساس في السنة (2/687).         
([13]) المصدر نفسه، ص 415، 416.
([14]) مسند الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري (4/18).
([15]) البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الأحزاب (5/59) رقم 4114.
([16]) الفساطيط: جمع فسطاط نوع من الأبنية في السفر وهو دون السرادق.
([17]) انظر: تفسير القرطبي (4/144).
([18]) البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق (5-59) رقم 4114.
([19]) انظر: فقه السيرة النبوية للغضبان، ص503.
([20]) انظر: فقه السيرة للبوطي، ص222. 

ليست هناك تعليقات:

د محمد عمارة يتحدث عن: موقف الإسلاميين من الغرب وأسباب ظاهرة الإسلاموفوبيا ..

تعرف على قصة قلم الرصاص

المتابعون